Friday, 25 January 2013

سبعة أيام مع المعتصمين في العراق

8

سبعة أيام مع المعتصمين في العراق

سبعة أيام مع المعتصمين في العراق


24-01-2013 02:09 PM

أمضيت سبعة أيام مع المعتصمين والمتظاهرين في العراق، إنها من أجمل أيام العمر، التقيت خلالها خيرة الرجال والشباب، ووجدت في أحاديثهم إصرارا رائعا على تغيير الواقع المأساوي وإزاحة الظلمة الداكنة الخانقة التي تكدست على أهل العراق منذ أن وطأت أقدام المارينز الأميركي وعصاباتهم الإجرامية وأدواتهم أرض العراق عام 2003.
تنقلت طيلة هذه الأيام في الرمادي التي أشعلت شرارة الاعتصامات والمظاهرات، وبغداد التي حولها مغول العصر إلى خرائب وأكوام من القمامة وحيطان كونكريتية كريهة ومناظر مقيتة، في كل زاوية فيها، تجد الجوعى والمحتاجين وتقرأ في وجوه الناس المآسي والكوارث التي صنعتها قوات الغزو الأميركية ومن بعدها وبمساعدتها الحكومات المتعاقبة في الزمن الأسوأ، وتوجها نوري المالكي منذ عام 2006، عندما تسلم السلطة بمختلف أنواع الظلم والانتهاكات وسرقات الثروات واعتقال مئات الآلاف من الرجال والنساء والشباب، لا لسبب إلا لأن هؤلاء من شرفاء العراق ومن الرافضين للغزو والاحتلال، ولم يقبلوا بمشروع المالكي ومن معه الرامي إلى تقسيم العراق وتفتيته، وتقرأ في وجوه النسوة علامات الحزن والقهر وعذاب حكومة المالكي، فالأرامل بالملايين، وفي دواخل كل أرملة ألف آهة وآهة، وألف حسرة وحسرة، وفي شوارع بغداد تجد بكل سهولة وجوه اليتامى الذين يعيشون أيامهم ويرون بأم أعينهم جرائم حكومة المالكي وعمليته السياسية البائسة، التي أفضت إلى ملايين اليتامى الذين يجوبون شوارع بغداد والكثير منهم يعيشون على القمامة، وباقة الورد التي يضعها المالكي وبرلمانه أمامهم في اجتماعاتهم يوميا تقدر بمئات آلاف الدولارات وسرقاتهم بمئات المليارات.
منذ أن دخلنا الحدود العراقية من منفذ طريبل غرب العراق، وهواجس زملائي في الرحلة تتصاعد، جمال الضاري الرجل الشجاع محب العراق ومصعب الراوي الشاب الذي يدرك بين دقيقة وأخرى أن شوقنا إلى العراق يعصف بنا كالعواصف الهائجة، بعد أمتار من النقطة الحدودية ونحن في طريقنا صوب مدينة الرمادي محطتنا الأولى، حيث يجتمع الرجال في ساحة العز والكرامة، يسيطر علينا الصمت ولكي لا نستغرق في دوامة عواطف يمتزج فيها الشوق والحنين والألم على بلد يذهب به المخربون والسراق والقتلة إلى المجهول، يدرك مصعب سبب صمتنا، يطلق كلمات مداعبة، يذكرنا بأنه قد اصطحب معه مأكولات خفيفة، مشددا على أنها لذيذة جدا، يضيف أنه جلب مختلف أنواع الأدوية، وعندما يذكر أسماء تلك الأدوية وعلاجاتها، تشعر أنك إزاء طبيب متخصص، يعرف الأدوية المطلوبة لكل حالة مرضية طارئة، خاصة أثناء السفر، أراقب جمال وهو يرمي ببصره إلى البعيد حيث الصحراء، لكأنه يقول في داخله، خلف هذه الكثبان الرملية تتكدس مدن العراق الذي يريدون حرقه وتدميره.
قلت، سنتناول فطورنا في استراحة (محمد الكردي) التي تقع في منتصف الطريق تقريبا بين الحدود الأردنية والرمادي، تململ مصعب وقال عدة كلمات لا تخلو من حسّ أمني، حاولت استيعاب مخاوفه بالاتفاق معه، لكنني لم أتراجع عن قراري، فلا بد أن أتناول وجبة (التشريب العراقي)، الذي أفتقده منذ أن أجبرنا غزاة العراق وأعوانهم على مغادرة العراق مرغمين منتصف عام 2006، جميعنا نعيش ذات المشاعر، فالغربة تقتل في دواخلنا أشياء كثيرة، وتخلق فينا الكثير من الاشتياق للعراق، تحدث جمال عن شوارع العراق العملاقة التي تم تشييدها مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما سبق العراق جميع دول المنطقة في تشييد الطرق السريعة التي تربط العراق مع جميع دول الجوار ما عدا إيران، هذه الطرق تمتد لآلاف الكيلومترات، ويشعر المرء بأهميتها منذ أن يدخل الحدود العراقية، لكن مصعب سرعان ما ذكرنا بنكبات العراق بعد عام 2003، قال: تتذكرون هذه الطرق العملاقة، وكيف كانت محاطة بأسيجة من الأسلاك وبمنظر جميل، لكي لا تدخل الحيوانات السائبة الطريق السريع، لكنها اختفت الآن، فقد رمى الغزاة الأميركيون وأدواتهم بكل مشهد ومعلم حضاري في البعيد، فخربوا ودمروا كل شيء، نبهنا جمال، إلا أن هذه الطرق كانت مزودة بأجهزة هاتف للإتصال بالجهات المعنية في حال حصول عطل في المركبات أو أي طارئ، وتجد تلك الهواتف بين كل ألف متر، تنفس بعمق وبألم مردفا، حتى هذه الخدمة خربوها ضمن برنامجهم 'لمحو العراق' وحدثنا عن كتاب جديد صدر بعنوان 'محو العراق' يكشف بالتفصيل المخطط الأميركي والغربي والإسرائيلي لتدمير العراق بالكامل.

No comments:

Post a Comment